اتجهت أنجولا، هذه الدولة الغنية بالنفط، منذ فترة طويلة نحو الصين من أجل البنية التحتية، وإلى روسيا من أجل التسليح، وهو إرث باقٍ من منافسات القوى في الحرب الباردة.
ولكن بينما كان وزير الخارجية أنتوني بلينكن يسير إلى جانب كبار المسؤولين الأنجوليين في عاصمتهم المليئة بأشجار النخيل الأسبوع قبل الماضي وقام بجولة في معرض مخصص لمشروع ضخم للسكك الحديدية تموله الولايات المتحدة، بدا أن عملية إعادة تنظيم كبيرة جارية من قبل هذه الدولة.
أنجولا قبلت الحصول على المساعدة من واشنطن وأوروبا في بناء ممر للسكك الحديدية بقيمة 250 مليون دولار من شأنه أن ينقل الكوبالت والنحاس والمعادن المهمة الأخرى إلى خارج أنجولا وجيرانها، مما يؤدي إلى تنويع الإمدادات الأميركية من المواد الخام المهمة للثورة الخضراء. ويأمل المسؤولون الأنجوليون والأميركيون أن يؤدي ذلك إلى طفرة اقتصادية أوسع نطاقا، وقد التزم بنك التصدير والاستيراد الذي تموله الولايات المتحدة بتقديم قرض بقيمة 900 مليون دولار لمشروع ألواح شمسية أميركية الصنع على طول خط السكك الحديدية، وهو أكبر استثمار للبنك على الإطلاق في هذا المجال في أفريقيا.

كما أوضح وزير خارجية أنجولا علناً لنظيره الروسي في العام الماضي أنه يشعر بالقلق إزاء بدء «الحرب العالمية الثالثة» نتيجة للحرب في أوكرانيا، وهي كلمات حادة لداعم رئيسي منذ فترة طويلة.
يقول مسؤولو إدارة بايدن: إن علاقة أنجولا الدافئة مع واشنطن تعد مكسباً لكلا البلدين ونموذجاً للتعاون الاقتصادي مع الدول التي شعرت في بعض الأحيان بأن الولايات المتحدة قد أهملتها أو تم تصويرها على أنها بيادق في مناورات جيوسياسية أكبر. ويصف المسؤولون التحول في العلاقات مع أنجولا بأنه علامة إيجابية بشكل خاص على جاذبية الولايات المتحدة كشريك في أفريقيا وفي جميع أنحاء العالم النامي.

وقال بلينكن يوم الخميس الماضي في العاصمة الأنجولية «لواندا»، حيث تضرب أمواج المحيط الأطلسي شواطئ مدينة تتزاحم فيها ناطحات السحاب مع بقايا الحكم الاستعماري البرتغالي: «إننا نرى أن مستقبل أميركا ومستقبل أفريقيا مرتبطان». 
وقال بلينكن في ختام رحلته التي استغرقت أربعة أيام إلى جنوب الصحراء الكبرى الأفريقية: إن «العلاقات بين الولايات المتحدة وأنجولا أصبحت أقوى وأكثر أهمية وأبعد مدى من أي وقت مضى خلال صداقتنا المستمرة منذ 30 عاماً»، في الوقت الذي تواجه فيه إدارة بايدن الأزمات في غزة وأوكرانيا. وكان الرئيس الأنجولي «جواو لورينسو» قد زار بايدن في المكتب البيضاوي في نوفمبر.
ويشعر مسؤولو إدارة بايدن بالاستياء من فكرة انخراطهم في منافسة جيوسياسية بشأن أفريقيا، قائلين إنه حتى لو لم يكن هؤلاء المنافسون نشطين فإن واشنطن ستبني نفس العلاقات في القارة. وهم يقولون إن إطار حقبة الحرب الباردة ليس طريقة مفيدة للتفكير في العلاقات، وأن الدول الأفريقية لا تحتاج إلى مواجهة خيار ثنائي بين الولايات المتحدة وبكين أو موسكو.

 أنجولا خاضت حرباً مريرة للاستقلال عن البرتغال تحولت إلى حرب أهلية استمرت 27 عاماً في عام 1975 بعد أن تخلصت البلاد من الحكم الاستعماري. ودعم الاتحاد السوفييتي وكوبا الحكومة الحاكمة. وخلال الحرب الباردة دعمت واشنطن القوى المعارضة. ومزق الصراع البلاد وترك شكوكاً عميقة تجاه الولايات المتحدة لدى خوسيه إدواردو دوس سانتوس، الذي قاد البلاد لمدة 38 عاماً قبل أن يتنحى في عام 2017. وتحت حكمه، عُرفت البلاد بأنها من بين أكثر الدول فساداً في أفريقيا.

وقد أدى الاستياء تجاه واشنطن إلى خلق أرض خصبة لدول مثل الصين للدخول وعرض تمويل مشاريع البنية التحتية الضخمة، بما في ذلك خط السكك الحديدية عبر معظم أنحاء البلاد لربط ميناء لوبيتو في أنجولا مع المناطق الداخلية الغنية بالموارد. تم الانتهاء من المشروع في عام 2012 وتم بناؤه إلى حد كبير من قبل العمال الصينيين الذين جاؤوا للبناء وغادروا بعد ذلك. لقد أقرضت الصين أنجولا أموالاً أكثر من أي دولة أخرى في أفريقيا.
مشروع السكك الحديدية لم يسر كما هو مخطط له، وقد فتح لورينسو، خليفة «دوس سانتوس»، الباب للنظر إلى ما هو أبعد من الشركاء التقليديين للبلاد.
وعندما بدأت «أنجولا» النظر في توسيع المشروع بعد عقد من الزمن، رفض المسؤولون عرضاً صينياً واختاروا الحصول على امتياز لمدة 30 عاماً لكونسورتيوم تدعمه الولايات المتحدة لإعادة بناء الخطوط وتوسيعها وتشغيل خدمة السكك الحديدية. تمت أعمال البناء في العام الماضي، وعبرت الشحنات الأولى من المعادن أنجولا هذا الشهر. يقول مؤيدو المشروع: إن الفولاذ أميركي الصنع الذي تصنع منه الجسور اللازمة لخط السكك الحديدية خلق مئات فرص العمل في الولايات المتحدة.

ويقول الشركاء الأنجوليون والأميركيون إنهم يريدون في نهاية المطاف تمديد الخط، الذي أطلقوا عليه اسم «ممر لوبيتو»، شرقاً إلى المحيط الهندي. ويقولون: إن ذلك سيثير طفرة اقتصادية في منطقة تعاني من نقص الطرق والسكك الحديدية. وبالفعل، قام المستثمرون الأوروبيون والدوليون بحشد جهود الولايات المتحدة، حيث عرضوا مشاريع زراعية وصناعية على طول خط السكك الحديدية الجديد.

وقد أدى التعاون الاقتصادي إلى تعميق العلاقات بين الخصمين السابقين في واشنطن ولواندا، حيث لعب القادة الأنجوليون دوراً مهماً في التوسط في الصراع في جمهورية الكونغو الديمقراطية المجاورة.

وقال مسؤول كبير آخر في إدارة بايدن واصفاً ما أتاحته الشراكة في مشاريع البنية التحتية في أنجولا: «إنها تعزز بعضها البعض». وأوضح أن هناك شراكة دبلوماسية عميقة حقاً بين الجانبين، وهو ما لم يكن لدينا في الماضي. وأضاف أن المسؤولين الأميركيين يعملون بجدية معهم لمعالجة المشاكل في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية. وقال وزير الخارجية الأنجولي «تيتي أنطونيو» للصحفيين بعد اجتماعه مع بلينكن: «نرحب بجميع الشراكات التي يمكن أن تتناسب مع احتياجاتنا وسياستنا فيما يتعلق بسياستنا التنموية».


مايكل بيرنباوم*
 *مراسل شؤون الأمن القومي لصحيفة «واشنطن بوست»
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج آند سينديكشن»